بقلم: ممدوح السمرى‎ سيادة رقمية مستدامة

 


في زمن تتسارع فيه خطوات التحول الرقمي، وتتشابك فيه خيوط التكنولوجيا مع كل تفاصيل الحياة اليومية، تبرز حوكمة الأمن السيبراني كحائط صد لا غنى عنه لحماية حاضر مصر و مستقبلها. 


لقد أصبحت البيانات و المعلومات اليوم من أثمن موارد الدولة و أكثرها عُرضة للتهديدات، إذ لم تعد الهجمات السيبرانية مجرد محاولات فردية عشوائية، بل تطورت لتصبح هجمات منظمة تستهدف البنية التحتية الحيوية للدولة، من شبكات الطاقة و المياه إلى الأنظمة المالية و المطارات، و حتى المؤسسات التعليمية و الصحية. 


فى هذا السياق، تتعاظم أهمية الحوكمة السيبرانية، ليس فقط كإجراء وقائى، بل كمنظومة متكاملة تضمن الاستمرارية، و تحافظ على السيادة الوطنية في الفضاء الرقمي.


‎إن مصر، بتاريخها العريق و حضورها الإقليمي القوي، تدرك أن الأمن السيبراني أصبح جزءًا لا يتجزأ من أمنها القومي. و لهذا وضعت الدولة استراتيجية وطنية شاملة للأمن السيبراني (٢٠٢٣-٢٠٢٧)، ترتكز على عدة محاور أساسية: 

تطوير التشريعات والقوانين لمواكبة التطورات العالمية، مثل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات و قانون حماية البيانات الشخصية.

بناء قدرات بشرية متخصصة من خلال برامج تدريبية متقدمة و شراكات مع الجامعات و المؤسسات الدولية.

 إنشاء المجلس الأعلى للأمن السيبراني ليكون مركز القيادة و التنسيق بين جميع الجهات الحكومية و الخاصة. 

الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وت حديثها باستمرار لمواجهة التهديدات المتجددة.

رفع الوعي المجتمعي بأهمية الأمن السيبراني من خلال حملات توعية وطنية و برامج تعليمية تُدرج الأمن الرقمي ضمن مناهج المدارس والجامعات.


‎لقد أثمرت هذه الجهود عن تقدم ملحوظ لمصر في مؤشرات الأمن السيبراني العالمية، حيث احتلت مراكز متقدمة في التصنيفات الدولية، الأمر الذي عزز ثقة المستثمرين و الشركاء الدوليين في البيئة الرقمية المصرية. 


كما ساهمت هذه الحوكمة في حماية ملايين المعاملات الإلكترونية اليومية، و ضمان استمرارية الخدمات الحكومية الذكية، التي باتت تعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا في تقديم خدماتها للمواطنين بكفاءة وسرعة.


‎و لا تقتصر أهمية الحوكمة السيبرانية على حماية البيانات فقط، بل تمتد لتشمل تعزيز الابتكار الوطني في مجال التكنولوجيا، و دعم الشركات الناشئة و رواد الأعمال في تطوير حلول أمنية محلية، مما يفتح آفاقًا جديدة للنمو الاقتصادي و يعزز مكانة مصر كمركز إقليمي للابتكار الرقمي. 


كما أن التعاون الإقليمي و الدولي في مجال الأمن السيبراني أصبح ضرورة مُلحة، حيث تشارك مصر بفاعلية في المبادرات و الاتفاقيات الدولية لتبادل المعلومات و الخبرات، و مواجهة التهديدات العابرة للحدود.


‎و في مواجهة التحديات المتزايدة، مثل تسريب بيانات ملايين المواطنين على الإنترنت المظلم، أو محاولات اختراق الأنظمة الحيوية، أصبح من الضروري تبني نهج استباقي يقوم على رصد التهديدات و تحليلها مبكراً و تطوير آليات الاستجابة السريعة، و الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي و التعلم الآلي لتعزيز قدرات الدفاع السيبراني. 


كما أن إشراك القطاع الخاص و المجتمع المدني في منظومة الحوكمة يضمن شمولية الجهود و تكاملها، و يخلق بيئة رقمية آمنة تدعم النمو المستدام.


‎إن حوكمة الأمن السيبراني في مصر ليست مجرد إجراءات أو سياسات، بل هي رؤية وطنية شاملة لبناء مجتمع رقمي آمن، يواكب التطور العالمي بثقة، و يصون مقدرات الوطن من كل تهديد. 


إنها بوابة مصر نحو المستقبل، و درعها الحصين في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء في ميدان الأمن الرقمي. 


فكل استثمار في الأمن السيبراني هو استثمار في استقرار الدولة، و ازدهار اقتصادها، و حماية كرامة و خصوصية كل مواطن مصري. 


و في ظل هذه الرؤية، تواصل مصر مسيرتها نحو ريادة إقليمية و عالمية في مجال الحوكمة الرقمية، لتصبح نموذجًا يُحتذى به في بناء مستقبل رقمي آمن و مستدام.

أحدث أقدم